السبت، ١٢ أبريل ٢٠٠٨

كريم و الموس

كان أول يوم ليا أنزل تطوع مع جمعية قرية الأمل... الواحد من زمان شايف أطفال الشوارع وسامع عن إن قرية الأمل بتشتغل معاهم وفي نفس الوقت من بعيد لبعيد كده ممكن يبعتلها أطفال بحيث يتصرفوا معاهم لأني طبعاً مش ضامنة الطفل ده يكون وراه إيه ولا حكايته إيه ولا أتعامل معاه إزاي...

بس مع حادثة التوربيني ماكانش ينفع الواحد يفضل قاعد يتفرج... وافتكرت حاجة مهمة كانت واحدة زميلتي قالتهالي واحنا بنكمل دراسات عليا برة... صاحبتي دي كانت بتعمل دراسة عن رؤية الشباب المصري لهويته وكان جزء من الدراسة محتاج منها إنها تنزل تغطي مظاهرات الجامعات المصرية على خلفية تدهور الأوضاع في الأراضي المحتلة وتعمل استطلاعات رأي ما بين شباب الجامعة... زميلتي كانت راجعة بشحنة انفعالية قوية من الجو اللي عاشت فيه على مدار الأيام اللي قعدتها وسط المظاهرات وهتافات من هنا على شعارات من هناك على اشتباكات مع الأمن المركزي على الطلبة اللي عايزين يكسروا باب الجامعة ويطلعوا على السفارة ...جو مليان بالحماس والانفعالات بحيث اللي بيراقب يحس إن الناس دي شوية وهتطلع خلاص تحارب في فلسطين... ورجعت تحكي للمشرف الفرنساوي بحماس وانفعال شديد ... المشرف بصلها بسخرية وشفقة وسألها : وترجموا الانفعال ده لخطة عمل واضحة في إطار كيان منظم ؟ ولأن رد صاحبتي جه بالنفي جه رد المشرف بكل برود :خلاص يبقى كأن مافيش حاجة حصلت ,,, فقاعة وانفجرت,,,

وهو ده اللي حصل وقت التوربيني وبيحصل كتير قوي في حياتنا... كلام كتير وانفعال كبير وغضب شديد وتعاطف مع الضحايا لكن في النهاية الأمر بيقف عند كده ومابيترجمش "لخطة عمل واضحة في إطار كيان منظم"... وبينتهي الاهتمام بالقضية وبتموت زي ما غيرها قبلها مات وبعدها كمان مات وهيفضل لسة غيرها يموت...

المهم... افتكرت القصة دي وقررت أنزل أتطوع في قرية الأمل وفعلاً اتصلت بفرع عزبة الهجانة اللي في مدينة نصر وحددت معاد مع المشرف عليه وبعديها بساعتين كنت في مكتبه... وأثناء ما المشرف كان بيكلمني عن تاريخ الجمعية وطبيعة شغلها مع أطفال الشوارع لقيت طفل واقف عند الباب بيشاور عقله يدخل ولا مايدخلش وعلى وشه ابتسامة بريئة وخجولة تحسسك إنك قدام ملاك صغير...

· تعالي يا كريم سلم على أبلة أميرة...

لكن كريم فضل واقف وعلى وشه ابتسامة طفل خجول بيقابل ناس لسة مايعرفهمش.

· إنتي عارفة يا أبلة أميرة إن أنا وكريم صحاب ؟
· إيه ده ؟ بجد ؟ لا مش عارفة...
· أيوة طبعاً ... أنا وكريم صحاب وبيجي يصبح عليا كل يوم وبنلعب مع بعض وكمان بيتعلم مع الأبلة زينب حاجات جديدة...
· إيه ده ... طب وانا ...ماينفعش أنا وكريم نبقى صحاب ؟
· إسأليه كده يا أبلة أميرة ... ينفع يا كريم أنت وأبلة أميرة تبقوا صحاب ؟

وعشان يخرج كريم من الموقف المحرج اللي حطه فيه الأستاذ محمود ساب المكتب وخرج وعلى وشه نفس الابتسامة الخجولة اللي دخل بيها...

كريم اللي شفته ده كان كريم الملاك... بس من سنة قبل ماجي القرية كان كريم حاجة تانية خالص ... كريم كان بيجي وهو مخبي الموس في هدومه ... كان عنيف مع أصحابه ودايماً يتخانق معاهم زائد إن كان عنده سلوكيات شاذة لاحظها المشرفين في القرية من ساعة ما بدأ يتردد عليها... ومع أي خناقة أو حتى من غير خناقة كان كريم بيستخدم الموس ... العنف ومنظر الدم كانوا عنده حاجة مثيرة... وكل ده أنا بتكلم على طفل عمره ماعداش الخمس سنين... خمس سنين بس شاف فيهم الويل من ساعة ماعينيه اتفتحت على أب مايعرفش في الدنيا دي يعني إيه معنى الرحمة... ولأن كريم ماهو إلا عجينة لسة طرية إتأثر باللي بيشوفه في البيت وبقي قبل ما يتم الخمس سنين لعبته الموس وتسليته الدم...

الحمد لله اتلحق ... واتلحق المجتمع كله أصلاً من إن كريم يكبر بالشكل ده... بس فيه غير كريم كتير ماتلحقوش وزمانهم طالعين... وكل مابيكبروا كل ما العجينة هتنشف وهيبقى صعب تشكيلها من أول وجديد... واتلحق علشان فيه "خطة عمل واضحة في إطار كيان منظم" بتنادي على إيدين شبابك يا مصر ييجوا يساعدوا في تنفيذها وياخدوا بإدين الباقيين ... بتقوللهم يوم ما تغضبوا وتثوروا طلعوا ثورتكم في كيان منظم زي ده ... بدل ما فقاعتنا تنفجر من غير أي لازمة خلوا الانفجار ده يتوجه صح ويولد الطاقة اللي هتمشينا لقدام ... ممكن ؟
أميرة قطب